لقد نقلت لكم موضوع حلقة موسى والخضر عليهما السلام :
الرضا والإيمان بالقدر خيره وشره:
حلقة اليوم تتمحور حول ركن من أركان الإسلام، وهو الإيمان بالقدر - خيره وشره- والرضا، فلا يمكن أن تؤمن بالقدر - خيره وشره- ولا يمكن أن ترضى إلا إذا فهمت ثلاثة أسماء من أسماء الله الحسنى وهي: اسم الله "العليم"، واسم الله "الحكيم"، واسم الله "الرحيم"، فبقدر إيمانك ويقينك وثقتك بهذه الأسماء، ترضى عن قدر الله في حياتك وترضى عما لا تجد له تفسيرا في الكون وعما تراه متناقضا في الكون، وتبكي من حبك لعلمه ورحمته. يقول ابن القيم: "الرضا باب الله الأعظم ومستراح العابدين وجنة الدنيا". أقسم بالله لم تسقط ورقة من شجرة إلا بعلم ولحكمة من الله – عز وجل- فما بالك بإعصار أو بحادثة سير؟ يقول الله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }(الأنعام59)، فلا شيء إلا ويحدث لحكمة من الله وكل حكمة متعلقة بالخير المتلقى، فلا يصدر عن الله الشر أبدًا، وإن بدا لك أن ما يحدث متناقضا أو شرًّا فلا يمكن أن يكون إلا خير، وهذا ما توضحه قصة "موسى – عليه السلام- والخضر".
تأويل القصة الأولى:
يقول الخضر لموسى – عليه السلام- عن الرحلة الأولى والسفينة التي ثقبها الخضر، قال تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} (الكهف 79)، فهذه السفينة كانت مِلكًا لمساكين، تعتبر مشروعهم الاقتصادي، وهي للقرية كلها، هؤلاء البحارة يكسبون الرزق للقرية بكاملها بهذا المشروع البسيط، وكانت هذه السفينة في طريقها في الإبحار إلى البلد المجاور لهم، ولم يعلموا، أن بها ملكا يأخذ أي سفينة سليمة ليضمها إلى أسطوله، فخاف الخضر على القرية، وكان الحل أن يضرّ الخضر السفينة ضررا أصغر ليحمي السفينة من ضرر أكبر، فعندما يعاين الملك السفينة لا يأخذها لما فيها من خرق، فيحمدوا الله على ذلك. فلنتخيل إن لم يخرق الخضر هذه السفينة، فماذا سيحدث؟ كان الملك سوف يستحوذ على السفينة، وإن اعترض أحد البحارة سجنه أو قتله وستتيتم أطفاله، وسيضيع رزق قرية بأكملها، كان هذا واردًا إن لم يتدخل الخضر.
معنى وقيمة الرضا:
قد تكون أي مشكلة تؤرقك في حياتك خيرا لا تعلمه أنت، وإن حاولت أن تتذكر أكبر إنجازات في حياتك، فسوف تجد قبلها أزمة شديدة أدت إلى هذا الإنجاز، فبسبب قصة ذبح إسماعيل – عليه السلام- التي قد تبدو في أولها أزمة، كانت سببا بعد ذلك في إطعام فقراء العالم إلى يوم القيامة في عيد الأضحى، ومن دون أزمة السيدة هاجر وابنها إسماعيل – عليه السلام- ما كانت تفجرت عين زمزم، ولولا إلقاء يوسف – عليه السلام- في البئر ما نجت مصر من المجاعة، فبسبب الصراع بين الأوس والخزرج، وجد الأنصار الخلاص عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقبلوه، ولولا حروب الردة وما كان فيها من تدريب للمسلمين، وما انتصروا على الفرس والروم، مما أدى إلى إسلام مصر والعراق وفلسطين.
جزاء الرضا:
احمد الله وارضَ عنه ووارض بقضائه وقدره في حياتك، فكلمة "الرضا" تعني ترك الاعتراض على الله –سبحانه وتعالى- في ملكه، وأن تقف مع الله حيث أراد، لذا فمن قال حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات: "رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً-" وجب على الله –سبحانه وتعالى- أن يرضيه في ذلك اليوم، ولذا أيضًا بعد كل آذان: " رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً-" غفرت له ذنوبه، ولذا يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً "، فهذا هو المؤمن بحق. جاء رجل للرسول – صلى الله عليه وسلم- يقول: "أي العمل أفضل؟" قال الرسول – صلى الله عليه وسلم-: "إيمان بالله ورسوله، وجهاد في سبيله" فقال الرجل:"هل هناك شيء أهون من ذلك؟" فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "ألا تتهمه في ملكه، ألا تتهمه في شيء قضاه". كأن الله يقول لنا إن لم ترضوا بقضائي فاخرجوا من تحت سمائي. فتخيل ابنًا مرض ولابد من بتر يده وإلا مات وأمه ترفض أن تقطع يده، والأب مصر على قطع يده، فمن أشد رحمة بالولد؟ أبوه أشد رحمةً به لأنه سيموت إن لم تقطع يده، يقول الله تعالى: {...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(المائدة3 )، فقد رضي الله لك به، فهلا ترضى انت؟